الغاز القديمة باتت “قنابل موقوتة” في منازل اللبنانيين.. ولكنّ هناك مشروعاً لاستبدالها يَستغرق عشر سنوات من الآن بُغية ضمان السلامة العامة. في انتظار ذلك تعلو الأصوات محَذّرة من التأخّر في تنفيذ هذا المشروع الإنقاذي.
“عندما قمتُ بتركيب قارورة الغاز وبدأتُ فحصَها”، يقول المواطن رامز شهوان لـ”الجمهورية”، “صدرَ لهيبٌ من صمّامها فجأةً، فأصاب بعضَ وجهي بحريق من الدرَجة الأولى، لكنّ الحريق الأشَدّ أصابَ يدي وبلغ الدرجة الثانية”، لافتاً إلى “أنّنا أبلغنا إلى الدفاع المدني بالحادث فحضر إلى المنزل الواقع في منطقة الحازمية، وأصدر تقريراً أكّد فيه أنّ الحريق نتجَ من تسرّب الغاز من القارورة بسبَب عطلٍ في مفتاحِها”.
أمّا السيّدة ماري نخّول التي تسكنُ في منطقة غادير ـ جونيه، فتروي لـ”الجمهورية” كيف كان منزلها على وشَك الاشتعال “بسبب عدم صلاحية قِفل قارورة غاز كنّا قد اشتريناها لتشغيل المدفأة الشهر الماضي”، موضِحةً “أنّني كنتُ وأخواتي داخل المنزل في ذلك اليوم الذي شهدَ عاصفةً هوجاء وبرداً قارساً، وفجأةً فوجِئنا بالمدفأة تحترق، وما لبثَ الحريق أن امتدّ إلى السجادة في الغرفة، ولكنّ فريق الإطفاء في الدفاع المدني وصلَ سريعاً إلى المكان وأخمدَ الحريق وأخرج القارورة من المنزل لإفراغها”.
الخطر الغازي
لا يُخطئ مَن يصف قارورة الغاز بـ”القنبلة الموقوتة” داخل كلِّ بيت، إذ إنّها تحمل في ما تحمل إشارةً إلى الخطر الكامن فيها، إذ يفتقر بعض القوارير إلى أبسَط شروط السلامة، لا سيّما منها القديمة، فتبدو مُتآكلةً وغير آمنة ولا تخضع لأيّ رقابة، فيتسَرّب الغاز منها، ما قد يتسبّب بحرائق وانفجارات في أيّ لحظة.
عشرات الحوادث الناتجة من انفجار قوارير الغاز تحصل يوميّاً، منها غير المعلن، ومنها المُعلَن كالتي ضجَّت بها وسائل الإعلام في كلٍّ من مناطق بصاليم وصور (2013) وقنّابة برمّانا (2014)، متسبّبةً بأضرار مادّية جسيمة في المنازل والمؤسسات، وإصابة مواطنين بحروق مختلفة في أجسادهم.
تكفي زيارة أحد مراكز توزيع القوارير للاطّلاع على حجم الكارثة واكتشاف عدم أهليّتها لصَون القوارير وعدم استيفائها شروطَ السلامة، بحيث يقتصر العمل، وقبلَ نقلِ قوارير الغاز إلى شركات التعبئة، وتوزيعِها في الأسواق، على محاولات صيانة شِبه بدائية.
إلّا أنّ المشكلة تتعدّى مسألة الصيانة، لتشملَ سُبلَ نقلِ القوارير وتوزيعها وتركيبها: شاحناتٌ صغيرة تتنقّل على الطرق محمَّلةً بقوارير غاز لإيصالها إلى المنازل، أصواتُ قرقعة حديد نتيجة تخَبُّط القوارير بعضها ببعض، وعمّال يدحرجونها على الأرض من دون أيّ خوف من ضرَر يطاولُها، وكأنّها دواليبُ لا عبوات قابلة للاشتعال، يوصِلها، يتوَلّى تركيبَها، يُشعِل سيجارته للتأكّد طبعاً من أنّها “لا تنفّس”، وبعد الاطمئنان يتابع جولته لإنجاز توصيلةٍ أخرى.
من حيث المبدأ تلك العملية آمنة 100% كونُ القارورة لم تشتعِل لدى إشعال السيجارة، ولكن مَن يضمن بعدها ماذا يحدث؟ فهل تكفَل شركات التوزيع ما لديها من قوارير؟ عِلماً أنّ قراراً صَدر عام 2003، وبعدما كان مضى أكثر من أربعين عاماً على التداوُل في القوارير نفسِها، باستبدال مليوني قارورة مهترئة بأخرى جديدة.
وإلى ذلك تضَمَّنَ هذا القرار عدداً من الشروط الرئيسة التي يجب أن تكون ظاهرةً على القارورة للتأكّد من سلامة ما يشتريه المواطن، أهمُّها الإسم والعلامة التجارية وتاريخ الصنع وتاريخ انتهاء الصلاحية واللون المميّز وقِفل الغاز.
إلّا أنّ الأحداث السياسية المتتالية ألغَت مفاعيل هذا القرار، فاقتصرَ التبديل على نسبة 40% فقط من القوارير في مختلف المناطق، ما يعني أنَّ اللبنانيين الذين دفعوا حينها المبلغ الإضافي مقابل التبديل، لا يزالون يستخدمون قوارير يتعدّى عمرها نصف قرن.
5 ملايين قارورة
يدقّ رئيس نقابة موزّعي قوارير الغاز في لبنان جان حاتم ناقوسَ الخطر عبر “الجمهورية”، إزاء “وَضع القوارير القديمة التي تفتقر إلى المواصفات المفروضة”.
أكثر من خمسة ملايين قارورة غاز تجتاح السوق اللبنانية. ثلاثة ملايين منها غير صالحة وقديمة ومُهترئة ولا تستوفي الشروط، فضلاً عن نصف مليون قارورة صناعتُها خارجية، جَلبَها النازحون السوريّون معهم، وهي قوارير تفتقر إلى المواصفات المفروضة، فاستبدلها هؤلاء في المتاجر اللبنانية، وأصبحَت تجول في مناطقنا، وتسكن بيوتنا.
“أطلقنا نداءً إلى المسؤولين ليسحبوا القوارير القديمة ويستبدلوها بأخرى جديدة، لكنّهم لم يتجاوبوا معنا”، يقول حاتم، لافتاً إلى أنّه “على الرغم من أنّ الشركات الموزِّعة للغاز تطلي القوارير دوريّاً، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّها صالحة للاستخدام وغير خطيرة. فالمواطن يشتري هذه القوارير من المتاجر، ظنّاً منه أنّها جديدة وآمنة، لكنّ الأمر ليس كذلك إطلاقاً”.
“لم تكن المليونا قارورة كافية، فهي، وإنْ غَطّت 40% من السوق، يتبقّى 60% من القوارير القديمة موجودة، ما يشكّل خطراً حقيقياً على السلامة العامة في اعتبارها “قنابل موقوتة”، على حدّ تعبير حاتم، موضِحاً “أنّ خطورة هذه القوارير على سلامة المواطنين تتجلّى في فصلِ الشتاء حيث يكثر استخدامها للتدفئة وتعرّضِها للحرارة، ما يشكّل مصدر اشتعال، خصوصاً القوارير التي يصنعها الحدّادون والتي لا تخضع لمعايير ومواصفات آمنة تُجَنّبها الانفجار من جرّاء تمدُّدها”.
إلزامية المواصفات
حدّدت مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية “ليبنور” المواصفات الفنّية الجديدة لقوارير الغاز معتمدةً الشروط المعمول بها عالميّاً، ومنها على سبيل المثال سَماكة الحديد التي أصبحَت 3 ملليمترات وليس كما كان معتمداً في السابق 2.7 و2.8، مع تأكيد نوعية الحديد 1SB الخاص بتصنيع قوارير الغاز، ما أفضى إلى زيادة في وزن القارورة.
وشَملت المواصفات الفنّية أيضاً قاعدةَ القارورة التي وضعَتها “ليبنور” بسماكة معينة للحديد وبارتفاع لا يقلّ عن 3 سنتيمترات لجهة أسفل الاسطوانة، فضلاً عن ابتكار قبضة “اليد” الجديدة للقارورة بغية حماية “سِكر” الأسطوانة.
وتؤكّد المديرة العامّة بالتكليف لـ”ليبنور” لانا درغام لـ”الجمهورية”، أنّ “دورنا هو وَضع المواصفات التي تساعد في الرقابة على جودَة القوارير”، لافتةً إلى “أنّنا نسّقنا مع وزارة الطاقة أخيراً لإصدار إلزامية مواصفات قوارير الغاز، وسيُحيل الوزير المرسوم قريباً إلى مجلس شورى الدولة، فتصبح بعد إقراره مواصفات القوارير مع الأكسسوارات ملزمة، ما يخَفّف من احتمال دخول قوارير غير مطابقة للمواصفات إلى لبنان”.
وتضيف: “عام 2003 تمَّ استبدال مليون و700 ألف قارورة فقط، واليوم نتعاون مع لجنة الأشغال، وبالتنسيق مع وزارتَي الصناعة والطاقة والجهات المعنية، لوضعِ خطّة عمل لاستبدال كلّ القوارير الموجودة في السوق خلال فترة 10 سنوات”، موضِحةً أنّه “بحسب المواصفات المعتمدة، يجب إعادة تأهيل القوارير في أوّل عشر سنوات ومن ثمّ كلّ خمس سنوات، هذا فضلاً عن الصيانة الدورية بعد كلّ تعبئة، وهو ما لا يحصل في لبنان نتيجة غياب الرقابة على مراكز التعبئة التي هي بمعظمِها غير مرخّصة وتفتقر إلى كلّ شروط السلامة”.
وترى درغام “أنّ الخطر الأكبر ليس من القارورة نفسِها، بل من الصمّامات المركّبة فيها والوصلات المتّصِلة بها، وهذه أيضاً تخضع لمواصفات محَدّدة”، محذّرةً من “وجود قوارير قديمة لم تخضَع لأيّ كشفٍ تقنيّ أو صيانة، ويُحتمَل أن تكون خطرة. مع العِلم أنّ غالبية الحوادث الناتجة من الغاز تعود أسبابها إلى سوء الاستخدام”.
وتكشف في هذا الإطار،”أنّنا عملنا على خطّة عمل استراتيجية تضمَّنَت آليّة تقضي بإضافة رسم بسيط على القارورة في انتظار تغيير كلّ القوارير في السوق اللبنانية خلال فترة زمنية معيّنة حتى تصبح بمجملِها مطابقةً للمواصفات”، لافتةً إلى أنّه “يجب على كلّ الوزارات المعنية اتّخاذ إجراءات قانونية لتطبيق هذه الآليّة”.
صيانة دورية
لأنّ ليس لدى الدولة موازنة مخصّصة لاستبدال كلّ القوارير على نفقتِها، ولأنّ الشركات لا تأخذ هذه المسألة على عاتقِها، توضِح درغام أنّ “المواطن سيتحَمّل كلفة بسيطة جدّاً لتأمين سلامته خلال مدّة 10 سنوات، وقيمتُها ألف ليرة لبنانية.
وفي المقابل، تتعهّد الشركات بإعطاء المواطن قارورةً جديدة مقابل القارورة القديمة، إلى جانب أعمال التَلف والصيانة الدورية وإعادة التأهيل، كذلك تتحمّل الشركات المسؤولية عن أيّ حادث أو خطأ ينتج من القارورة”، مشيرةً إلى “وجود خلاف بين الوزارات والمعنيّين حول تفاصيل خطة العمل، ولكنّ الجميع متّفقون على الإطار العام للخطة. إلّا أنّ التنفيذ يتطلّب بعض الخطوات القانونية كالمراسيم وإنشاء صندوق لتمويل المشروع وغيره”.
من جهته، يرفض حاتم تكرارَ تجربة العام 2003 ويقول: “إنّنا لن نسمح هذه المرّة بتوزيع قوارير ذات مواصفات رديئة وإلّا فلن نوافق على أيّ استبدال، ونكتفي بصيانة القوارير، لأنّ المواطن لن يتحمّل أعباءَ إضافية”.
وإذ يتخوّف حاتم من الصفقات التي قد تحصل على حساب المواطن، يطالب معهد البحوث بـ”التشَدّد الرقابي على القوارير، وعدم تعرّضِه للضغوط والاستجابة لها من أيّ جهة أتت”، ويؤكّد ثقته بمدير المعهد، مشدّداً على أنّ “سلامة المواطن هي أولوّيتنا”.
“عندما قمتُ بتركيب قارورة الغاز وبدأتُ فحصَها”، يقول المواطن رامز شهوان لـ”الجمهورية”، “صدرَ لهيبٌ من صمّامها فجأةً، فأصاب بعضَ وجهي بحريق من الدرَجة الأولى، لكنّ الحريق الأشَدّ أصابَ يدي وبلغ الدرجة الثانية”، لافتاً إلى “أنّنا أبلغنا إلى الدفاع المدني بالحادث فحضر إلى المنزل الواقع في منطقة الحازمية، وأصدر تقريراً أكّد فيه أنّ الحريق نتجَ من تسرّب الغاز من القارورة بسبَب عطلٍ في مفتاحِها”.
أمّا السيّدة ماري نخّول التي تسكنُ في منطقة غادير ـ جونيه، فتروي لـ”الجمهورية” كيف كان منزلها على وشَك الاشتعال “بسبب عدم صلاحية قِفل قارورة غاز كنّا قد اشتريناها لتشغيل المدفأة الشهر الماضي”، موضِحةً “أنّني كنتُ وأخواتي داخل المنزل في ذلك اليوم الذي شهدَ عاصفةً هوجاء وبرداً قارساً، وفجأةً فوجِئنا بالمدفأة تحترق، وما لبثَ الحريق أن امتدّ إلى السجادة في الغرفة، ولكنّ فريق الإطفاء في الدفاع المدني وصلَ سريعاً إلى المكان وأخمدَ الحريق وأخرج القارورة من المنزل لإفراغها”.
الخطر الغازي
لا يُخطئ مَن يصف قارورة الغاز بـ”القنبلة الموقوتة” داخل كلِّ بيت، إذ إنّها تحمل في ما تحمل إشارةً إلى الخطر الكامن فيها، إذ يفتقر بعض القوارير إلى أبسَط شروط السلامة، لا سيّما منها القديمة، فتبدو مُتآكلةً وغير آمنة ولا تخضع لأيّ رقابة، فيتسَرّب الغاز منها، ما قد يتسبّب بحرائق وانفجارات في أيّ لحظة.
عشرات الحوادث الناتجة من انفجار قوارير الغاز تحصل يوميّاً، منها غير المعلن، ومنها المُعلَن كالتي ضجَّت بها وسائل الإعلام في كلٍّ من مناطق بصاليم وصور (2013) وقنّابة برمّانا (2014)، متسبّبةً بأضرار مادّية جسيمة في المنازل والمؤسسات، وإصابة مواطنين بحروق مختلفة في أجسادهم.
تكفي زيارة أحد مراكز توزيع القوارير للاطّلاع على حجم الكارثة واكتشاف عدم أهليّتها لصَون القوارير وعدم استيفائها شروطَ السلامة، بحيث يقتصر العمل، وقبلَ نقلِ قوارير الغاز إلى شركات التعبئة، وتوزيعِها في الأسواق، على محاولات صيانة شِبه بدائية.
إلّا أنّ المشكلة تتعدّى مسألة الصيانة، لتشملَ سُبلَ نقلِ القوارير وتوزيعها وتركيبها: شاحناتٌ صغيرة تتنقّل على الطرق محمَّلةً بقوارير غاز لإيصالها إلى المنازل، أصواتُ قرقعة حديد نتيجة تخَبُّط القوارير بعضها ببعض، وعمّال يدحرجونها على الأرض من دون أيّ خوف من ضرَر يطاولُها، وكأنّها دواليبُ لا عبوات قابلة للاشتعال، يوصِلها، يتوَلّى تركيبَها، يُشعِل سيجارته للتأكّد طبعاً من أنّها “لا تنفّس”، وبعد الاطمئنان يتابع جولته لإنجاز توصيلةٍ أخرى.
من حيث المبدأ تلك العملية آمنة 100% كونُ القارورة لم تشتعِل لدى إشعال السيجارة، ولكن مَن يضمن بعدها ماذا يحدث؟ فهل تكفَل شركات التوزيع ما لديها من قوارير؟ عِلماً أنّ قراراً صَدر عام 2003، وبعدما كان مضى أكثر من أربعين عاماً على التداوُل في القوارير نفسِها، باستبدال مليوني قارورة مهترئة بأخرى جديدة.
وإلى ذلك تضَمَّنَ هذا القرار عدداً من الشروط الرئيسة التي يجب أن تكون ظاهرةً على القارورة للتأكّد من سلامة ما يشتريه المواطن، أهمُّها الإسم والعلامة التجارية وتاريخ الصنع وتاريخ انتهاء الصلاحية واللون المميّز وقِفل الغاز.
إلّا أنّ الأحداث السياسية المتتالية ألغَت مفاعيل هذا القرار، فاقتصرَ التبديل على نسبة 40% فقط من القوارير في مختلف المناطق، ما يعني أنَّ اللبنانيين الذين دفعوا حينها المبلغ الإضافي مقابل التبديل، لا يزالون يستخدمون قوارير يتعدّى عمرها نصف قرن.
5 ملايين قارورة
يدقّ رئيس نقابة موزّعي قوارير الغاز في لبنان جان حاتم ناقوسَ الخطر عبر “الجمهورية”، إزاء “وَضع القوارير القديمة التي تفتقر إلى المواصفات المفروضة”.
أكثر من خمسة ملايين قارورة غاز تجتاح السوق اللبنانية. ثلاثة ملايين منها غير صالحة وقديمة ومُهترئة ولا تستوفي الشروط، فضلاً عن نصف مليون قارورة صناعتُها خارجية، جَلبَها النازحون السوريّون معهم، وهي قوارير تفتقر إلى المواصفات المفروضة، فاستبدلها هؤلاء في المتاجر اللبنانية، وأصبحَت تجول في مناطقنا، وتسكن بيوتنا.
“أطلقنا نداءً إلى المسؤولين ليسحبوا القوارير القديمة ويستبدلوها بأخرى جديدة، لكنّهم لم يتجاوبوا معنا”، يقول حاتم، لافتاً إلى أنّه “على الرغم من أنّ الشركات الموزِّعة للغاز تطلي القوارير دوريّاً، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّها صالحة للاستخدام وغير خطيرة. فالمواطن يشتري هذه القوارير من المتاجر، ظنّاً منه أنّها جديدة وآمنة، لكنّ الأمر ليس كذلك إطلاقاً”.
“لم تكن المليونا قارورة كافية، فهي، وإنْ غَطّت 40% من السوق، يتبقّى 60% من القوارير القديمة موجودة، ما يشكّل خطراً حقيقياً على السلامة العامة في اعتبارها “قنابل موقوتة”، على حدّ تعبير حاتم، موضِحاً “أنّ خطورة هذه القوارير على سلامة المواطنين تتجلّى في فصلِ الشتاء حيث يكثر استخدامها للتدفئة وتعرّضِها للحرارة، ما يشكّل مصدر اشتعال، خصوصاً القوارير التي يصنعها الحدّادون والتي لا تخضع لمعايير ومواصفات آمنة تُجَنّبها الانفجار من جرّاء تمدُّدها”.
إلزامية المواصفات
حدّدت مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية “ليبنور” المواصفات الفنّية الجديدة لقوارير الغاز معتمدةً الشروط المعمول بها عالميّاً، ومنها على سبيل المثال سَماكة الحديد التي أصبحَت 3 ملليمترات وليس كما كان معتمداً في السابق 2.7 و2.8، مع تأكيد نوعية الحديد 1SB الخاص بتصنيع قوارير الغاز، ما أفضى إلى زيادة في وزن القارورة.
وشَملت المواصفات الفنّية أيضاً قاعدةَ القارورة التي وضعَتها “ليبنور” بسماكة معينة للحديد وبارتفاع لا يقلّ عن 3 سنتيمترات لجهة أسفل الاسطوانة، فضلاً عن ابتكار قبضة “اليد” الجديدة للقارورة بغية حماية “سِكر” الأسطوانة.
وتؤكّد المديرة العامّة بالتكليف لـ”ليبنور” لانا درغام لـ”الجمهورية”، أنّ “دورنا هو وَضع المواصفات التي تساعد في الرقابة على جودَة القوارير”، لافتةً إلى “أنّنا نسّقنا مع وزارة الطاقة أخيراً لإصدار إلزامية مواصفات قوارير الغاز، وسيُحيل الوزير المرسوم قريباً إلى مجلس شورى الدولة، فتصبح بعد إقراره مواصفات القوارير مع الأكسسوارات ملزمة، ما يخَفّف من احتمال دخول قوارير غير مطابقة للمواصفات إلى لبنان”.
وتضيف: “عام 2003 تمَّ استبدال مليون و700 ألف قارورة فقط، واليوم نتعاون مع لجنة الأشغال، وبالتنسيق مع وزارتَي الصناعة والطاقة والجهات المعنية، لوضعِ خطّة عمل لاستبدال كلّ القوارير الموجودة في السوق خلال فترة 10 سنوات”، موضِحةً أنّه “بحسب المواصفات المعتمدة، يجب إعادة تأهيل القوارير في أوّل عشر سنوات ومن ثمّ كلّ خمس سنوات، هذا فضلاً عن الصيانة الدورية بعد كلّ تعبئة، وهو ما لا يحصل في لبنان نتيجة غياب الرقابة على مراكز التعبئة التي هي بمعظمِها غير مرخّصة وتفتقر إلى كلّ شروط السلامة”.
وترى درغام “أنّ الخطر الأكبر ليس من القارورة نفسِها، بل من الصمّامات المركّبة فيها والوصلات المتّصِلة بها، وهذه أيضاً تخضع لمواصفات محَدّدة”، محذّرةً من “وجود قوارير قديمة لم تخضَع لأيّ كشفٍ تقنيّ أو صيانة، ويُحتمَل أن تكون خطرة. مع العِلم أنّ غالبية الحوادث الناتجة من الغاز تعود أسبابها إلى سوء الاستخدام”.
وتكشف في هذا الإطار،”أنّنا عملنا على خطّة عمل استراتيجية تضمَّنَت آليّة تقضي بإضافة رسم بسيط على القارورة في انتظار تغيير كلّ القوارير في السوق اللبنانية خلال فترة زمنية معيّنة حتى تصبح بمجملِها مطابقةً للمواصفات”، لافتةً إلى أنّه “يجب على كلّ الوزارات المعنية اتّخاذ إجراءات قانونية لتطبيق هذه الآليّة”.
صيانة دورية
لأنّ ليس لدى الدولة موازنة مخصّصة لاستبدال كلّ القوارير على نفقتِها، ولأنّ الشركات لا تأخذ هذه المسألة على عاتقِها، توضِح درغام أنّ “المواطن سيتحَمّل كلفة بسيطة جدّاً لتأمين سلامته خلال مدّة 10 سنوات، وقيمتُها ألف ليرة لبنانية.
وفي المقابل، تتعهّد الشركات بإعطاء المواطن قارورةً جديدة مقابل القارورة القديمة، إلى جانب أعمال التَلف والصيانة الدورية وإعادة التأهيل، كذلك تتحمّل الشركات المسؤولية عن أيّ حادث أو خطأ ينتج من القارورة”، مشيرةً إلى “وجود خلاف بين الوزارات والمعنيّين حول تفاصيل خطة العمل، ولكنّ الجميع متّفقون على الإطار العام للخطة. إلّا أنّ التنفيذ يتطلّب بعض الخطوات القانونية كالمراسيم وإنشاء صندوق لتمويل المشروع وغيره”.
من جهته، يرفض حاتم تكرارَ تجربة العام 2003 ويقول: “إنّنا لن نسمح هذه المرّة بتوزيع قوارير ذات مواصفات رديئة وإلّا فلن نوافق على أيّ استبدال، ونكتفي بصيانة القوارير، لأنّ المواطن لن يتحمّل أعباءَ إضافية”.
وإذ يتخوّف حاتم من الصفقات التي قد تحصل على حساب المواطن، يطالب معهد البحوث بـ”التشَدّد الرقابي على القوارير، وعدم تعرّضِه للضغوط والاستجابة لها من أيّ جهة أتت”، ويؤكّد ثقته بمدير المعهد، مشدّداً على أنّ “سلامة المواطن هي أولوّيتنا”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق